وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُها وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَ مُسْتَوْدَعَها كُلٌّ في كِتابٍ مُبينٍ (هود: ۶)
و هيچ جنبندهاى در زمين نيست مگر [اينكه] روزيش بر عهده خداست، و [او] قرارگاه و محل مُردنش را مىداند. همه [اينها] در كتابى روشن [ثبت] است.
خلاصه:
خداوند عالم به رزق همه موجودات و مکان آنهاست و این علم در لوح محفوظ ثبت شده است.
متن تفسیر:
وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها الدابة اسم لكل حيوان ذي روح ذكرا كان أو أنثى عاقلا أو غيره، مأخوذ من الدبيب، و هو في الأصل المشي الخفيف و منه قوله:
زعمتني شيخا و لست بشيخ إنما الشيخ من يدب دبيبا
و اختصت في العرف بذوات القوائم الأربع و قد تخص بالفرس، و المراد بها هنا المعنى اللغوي باتفاق المفسرين أي و ما من حيوان يدب على الأرض إلا على اللّه تعالى غذاؤه و معاشه، و المراد أن ذلك كالواجب عليه تعالى إذ لا وجوب عليه سبحانه عند أهل الحق كما بين في الكلام، فكلمة عَلَى المستعملة للوجوب مستعارة استعارة تبعية لما يشبهه و يكون من المجاز بمرتبتين، و ذكر الإمام أن الرزق واجب بحسب الوعد و الفضل و الإحسان على معنى أنه باق على تفضله لكن لما وعده سبحانه و هو جل شأنه لا يخل بما وعد صوره بصورة الوجوب لفائدتين: التحقيق لوصوله. و حمل العباد على التوكل فيه، و لا يمنع من التوكل مباشرة الأسباب مع العلم بأنه سبحانه المسبب لها
ففي الخبر «اعقل و توكل»
و
جاء «لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها و أجلها فاتقوا اللّه تعالى و أجملوا في الطلب»
و لا ينبغي أن يعتقد أنه لا يحصل الرزق بدون مباشرة سبب فإنه سبحانه يرزق الكثير من دون مباشرة سبب أصلا، و
في بعض الآثار «إن موسى عليه السلام عند نزول الوحي تعلق قلبه بأحوال أهله فأمره اللّه تعالى بأن يضرب بعصاه صخرة فضرب فانشقت الصخرة و خرجت صخرة ثانية فضربها فخرجت ثالثة فضربها فانشقت عن دودة كالذرة و في فمها شيء يجري مجرى الغذاء لها و سمعها تقول: سبحان من يراني و يسمع كلامي و يعرف مكاني و يذكرني و لا ينساني»
و ما أحسن قول ابن أذينة:
لقد علمت و ما الإشراف من خلقي إن الذي هو رزقي سوف يأتيني
أسعى إليه فيعييني تطلبه و لو أقمت أتاني لا يعنيني
و قد صدقه اللّه تعالى في ذلك يوم وفد على هشام فقرعه بقوله هذا فرجع إلى المدينة فندم هشام على ذلك و أرسل بجائزته إليه، و يقرب من قصته قصة الثقفي مع عبيد اللّه بن عامر خال عثمان بن عفان رضي اللّه تعالى عنه و هي مشهورة حكاها ابن أبي الدنيا و نقلها غير واحد، و قد ألغى أمر الأسباب جدا من قال:
مثل الرزق الذي تطلبه مثل الطل الذي يمشي معك
أنت لا تدركه متبعا و إذا وليت عنه تبعك
و بالجملة ينبغي الوثوق باللّه تعالى و ربط القلب به سبحانه فما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن و احتج أهل السنة بالآية على أن الحرام رزق و إلا فمن لم يأكل طول عمره إلا من الحرام يلزم أن لا يكون مرزوقا، و أجيب بأن هذا مجرد فرض إذ لا أقل من التغذي بلبن الأم مثلا و هو حلال على أن المراد أن كل حيوان يحتاج إلى الرزق إذا رزق فإنما رزقه من اللّه تعالى و هو لا ينافي أن يكون هناك من لا رزق له كالمتغذي بالحرام، و كذا من لم يرزق أصلا حتى مات جوعا، و روي هذا عن مجاهد و قد تقدم الكلام في ذلك.
وَ يَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها موضع قرارها في الأصلاب وَ مُسْتَوْدَعَها موضعها في الأرحام و ما يجري مجراها من البيض و نحوه، فالمستقر و المستودع اسما مكان، و جوز فيهما أن يكونا مصدرين و أن يكون المستودع اسم مفعول لتعدي فعله، و لا يجوز في المستقر ذلك لأن فعله لازم. و الأول هو الظاهر، و إنما خص كل من الاسمين بما خص به من المحل- كما قال بعض الفضلاء- لأن النطفة مثلا بالنسبة إلى الأصلاب في حيزها الطبيعي و منشئها الخلقي، و أما بالنسبة إلى الأرحام مثلا فهي مودعة فيها إلى وقت معين، و عن عطاء تفسير المستقر بالأرحام و المستودع بالأصلاب و كأنه أخذ تفسير الأول بذلك من قوله سبحانه: وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ [الحج: ۵]، و جوز أن يكون المراد بالمستقر مساكنها من الأرض حيث وجدت بالفعل، و بالمستودع محلها من المواد و المقار حين كانت بعد بالقرة، و هذا عام لجميع الحيوانات بخلاف الأول إذ من الحيوانات ما لم يستقر في صلب كالمتكون من عفونة الأرض مثلا، و لعل تقديم محلها باعتبار حالتها الأخيرة لرعاية المناسبة بينها و بين عنوان كونها دابة في الأرض مثلا، و المعنى على ما قيل: ما من دابة في الأرض إلا يرزقها اللّه تعالى حيث كانت من أماكنها يسوقه إليها و يعلم موادها المختلفة المندرجة في مراتب الاستعدادات المتفاوتة المتطورة في الأطوار المتباينة و مقارها المتنوعة يفيض عليها في كل مرتبة ما يليق بها من مبادئ وجودها و كمالاتها المتفرعة عليها، و لا يخلو عن حسن إلا أن فيه بعدا، و أخرج عبد الرزاق و جماعة عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أن مستقرها حيث تأوي و مستودعها حيث تموت، و تعقب بأن تفسير المستودع بذلك لا يلائم مقام التكفل بأرزاقها، و قد يقال: لعل ذلك إشارة إلى نهاية أمد ذلك التكفل، و في خبر ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنه إشارة إلى ما هو كالمبدأ له أيضا، فقد أخرج عنه ابن جرير و الحاكم و صححه أنه قال: مستقرها الأرحام، و مستودعها حيث تموت، فكأنه قيل: إنه سبحانه متكفل برزق كل دابة و يعلم مكانها أول ما تحتاج إلى الرزق و مكانها آخر ما تحتاج إليه فهو سبحانه يسوقه إليها و لا بد إلى أن ينتهي أمد احتياجها، و جوز في هذه الجملة أن تكون استئنافا بيانيا و أن تكون معطوفة على جملة عَلَى اللَّهِ رِزْقُها داخلة في حيز إِلَّا و عليه اقتصر الأجهوري.
كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ أي كل واحد من الدواب و رزقها و مستقرها و مستودعها، أو كل ما ذكر و غيره مثبت في اللوح المحفوظ البين لمن ينظر فيه من الملائكة عليهم السلام، أو المظهر لما أثبت فيه للناظرين، و الجملة- على ما قال الطيبي- كالتتميم لمعنى وجوب تكفل الرزق كمن أقر بشيء في ذمته ثم كتب عليه صكا، و في الكشف إن الأظهر أنها تحقيق للعلم و كأنه تعالى لما ذكر أنه يعلم ما يسرون و ما يعلنون أردفه بما يدل على عموم علمه.[۱]
[۱] روح المعاني في تفسير القرآن العظيم، جلد ۶، صفحات ۲۰۳ تا ۲۰۵